منشور

الافتتاحية بقلم أودري أزولاي

Reinventing cities
The UNESCO Courier
April-June 2019
UNESCO
0000367693

مثلت سنة 2014 نقطة تحول بالنسبة للبشرية: لأوّل مرّة في التاريخ، فاق العدد الإجمالي لسكان المدن نصف سكان العالم. وحسب التقديرات الحالية، سوف يرتفع هذا العدد إلى نسبة 70٪ في عام 2050. وسوف تعكس مدن الغد، من نواح عدة، ما كانت عليه المدن السابقة ـ من المدينة-الدولة في بلاد ما بين النهرين، إلى المدن الإيطالية في عصر النهضة، وصولا إلى المدن الكبرى الحالية ـ حيث أن المُدن ساهمت دوما في تطور البشريّة وكانت بوتقة للتبادل والحوار بين أفراد من جميع المشارب.

ولكن مدن اليوم والغد تواجه أيضا تحديات جديدة لم تشهد لها مثيلا. فبالرغم من كونها تمتد على 2٪ فقط من مساحة اليابسة، فهي تستهلك 60٪ من الطاقة، وتطلق 75٪ من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وتنتج 70٪ من النفايات على الصعيد العالمي. ويُشكّل توسّع المدن تهديداً للتنوع البيولوجي، كما يمثل عامل ضغط على البنية التحتية والموارد الحضرية (مياه، وسائل نقل، طاقة كهربائية)، وهذا من شأنه أن يزيد من تأثير الكوارث الطبيعية والتغير المناخي. أما التنمية بدون تحكم والسياحة المكثفة، فهي تعرض للخطر مواقع التراث الثقافي والممارسات التقليدية الحية. إن تفاقم الفوارق والهجرة، نتيجة النزاعات والكوارث في أغلب الأحيان، جعل من المدن بؤرا لنوع جديد من الانقسامات الاجتماعية، والإقصاء والتمييز.

ونظراً لضخامة هذه التحديات، استنتجت العديد من المدن في العالم أنه لا سبيل لها في التقدم إلا من خلال تغيير طرق التفكير، وتعزيز مشاركة السكان وإرساء التعاون في ما بينها. وتُشاطر هذه الرؤية منظمة اليونسكو التي تعد خمس شبكات للمدن، جميعها على عزم لاستغلال الصفات التي تتميز بها المدينة، ألا وهي القدرة الهائلة على الابتكار والاتصال.

تساهم المدن بنسبة 70٪ في الاقتصاد العالمي، منها قسط كبير في مجال الاقتصاد الإبداعي الذي يدر عائدات سنوية تبلغ على المستوى العالمي 2250 مليار دولار، ويشغّل أكبر عدد من الشباب مقارنة بأي قطاع آخر. لهذا السبب، تسعى المدن الأعضاء في شبكة اليونسكو للمدن الإبداعية، وعددها 180، إلى استغلال قدرة المدينة على اجتذاب المبدعين لتحفيز النمو الاقتصادي، وتعزيز الشعور بالانتماء إلى المجتمع وحماية الهويات الحضرية. أما الشبكة العالمية لمدن التعلم التابعة لليونسكو، فهي تهدف إلى ضمان استدامة المدن من خلال توفير فرصة التعلم مدى الحياة للجميع. من تعلّم ركوب الدراجة للمساهمة في سلامة البيئة الحضرية، وإعداد بعض المنتجات المحلية حسب الطرق والمعارف التقليدية، إلى تنظيم ورشات لفن المسرح لصالح التجمعات في الأحياء الفقيرة، فإن كل فرصة جديدة للتعلم تأتي بما تكنه من قدرة على دفع التحول الاجتماعي والتنمية.

باعتبارها إحدى أهم مخابر الأفكار في العالم، تبذل منظمة اليونسكو كل جهدها لجمع شبكات المدن، وتشجيعها على التعاون والتبادل حتى ترسم معا السياسات والممارسات الكفيلة بالاستجابة للاحتياجات المتزايدة لسكانها. وكما لاحظ الصحفي الحائز على جائزة بوليتزر، هيرب كاين، «لا يُنظر للمدينة من حيث طولها أو عرضها، وإنما من حيث اتساع رؤيتها وعلو أحلامها». اليونسكو على يقين من أن المدن، لما تتقاسم أحلامها في ما بينها وتَستلهم من رؤية بعضها البعض، سوف تكون قادرة على رفع تحديات هذا العصر الحضري الجديد المفتوح أمامنا.

هذا العدد من رسالة اليونسكو يعج بِقصَص الإبداع والابتكار والمرونة. آمل أن تكون مصدر إلهام لكم، بل وربما تدفعكم إلى المساهمة في الأخذ بزمام هذه المسائل سواء في مدينتكم أو مجتمعكم.

 

أودري أزولاي، المديرة العامة لليونسكو

 

الصورة: فابريس كلابياس، فنان

 

المزيد من المعلومات حول شبكات المدن:

الثقافة مفتاح المدن الإبداعية

مدن تعليمية

مدن ضد العنصرية والإقصاء

المدن والتراث غير المادي

مدن ذكيّة

مسألة المياه في المدن الكبرى



 

Reinventing cities
UNESCO
April-June 2019
UNESCO
0000367693
订阅《信使》