فكرة

ليو جيانيا وجوو ليانغ: "بالإمكان التقليص من البصمة الكربونية للميتافيرس"

يعتمد الميتافارس (ما وراء الكون) على نماذج الذكاء الاصطناعي والخدمات السّحابية كثيرة الاستهلاك للطّاقة. وتُبيّن أعمال الباحِثيْن، ليو جيانيا وجوو ليانغ، كيف يمكن استعمال الرّياضيات للتّقليص من تأثير الميتافيرس على البيئة.
COU_2023_1_METAVERSE_WIDE_ANGLE

أجرت المقابلة تشين شياورونغ

اليونسكو

 

ما هي العلاقة بين الميتافيرس والرّياضيات؟  

مرّت حوالي سنة على إعلان الفايسبوك عن تغيير علامته التّجارية إلى "ميتا" وعزمه تركيز جهوده على "الميتافيرس" المستقبلي. مذ وقتها، لم يصبح المعنى من هذا المصطلح أكثر وضوحًا.

رياضيّا، نُعرّف الميتافيرس على أنّه وظيفة مُمثَّلَة بمجموعتين من الأشياء تُجسَّد العلاقة بينها بواسطة سهام. مجموعة أولى تمثل أشياء من الحياة الحقيقية كقصر فرساي مثلا. في حين تُحيل المجموعة الثانية إلى نماذج معلوماتية لأشياء مستخرجة من العالم الحقيقي -قصر فرساي الرّقمي مثلا - والتي يمكن مشاهدتها والتّعامل معها على الشّاشة. 

باختصار، يمكن اعتبار الميتافيرس عملية رياضيّة تربط  عنصر من العالم الحقيقي بعنصر أو أكثر من عالم رقمي أو افتراضي. 

يعني أنه بإمكان الميتافيرسات خلق نسخة مكرّرة من واقعنا؟ 

ربّما، ولكن لأيّ غرض وبأيّ تكلفة؟ بصفة عامّة، هناك تقنيّتان هما أساس أيّ ميتافيرس: تقنيات الحصول على البيانات وتقنيات الحقيقة الافتراضية. فأمّا تقنية الحصول على البيانات فهي تقنية التقاط (بواسطة آلة تصوير رقميّة أو ماسح ضوئي ليزري) لشكل الأشياء الطبيعية ومظهرها للحصول على صورة مولَّدة من الحاسوب. وأمّا تقنية الواقع الافتراضي (أو التّوأم الرّقمي) فتتمثّل في توليد أشياء رقميّة من أجل إعادة إنتاج عوالم ماديّة. هاتان التّقنيتان تتطلّبان وقتا طويلا للقيام بالحسابات المعلوماتية. وكلتاهما تعتمدان كثيرا على نماذج الذّكاء الاصطناعي والخدمات السّحابية كثيرة الاستهلاك للطّاقة.

حسب دراسة حديثة أجراها باحثون من جامعة ماساتشوستس، فإن تدريب نموذج ذكاء اصطناعي واحد يمكن أن يُولّد حوالي 284 طنًا من ثاني أكسيد الكربون، أي أكثر من خمسة أضعاف كمّية الغازات الدفيئة المنبعثة من سيارة طوال حياتها. كما أنّ الإعلامية السّحابية الضّرورية للواقع الافتراضي، وللألعاب عبر الإنترنت، ومعالجة الصّور بدقّة عالية، يمكن أن تزيد على نحو كبير من انبعاثات الكربون.

استعمال نموذج ذكاء اصطناعي واحد يولّد حوالي 284 طنًا من ثاني أكسيد الكربون

وتبعا لذلك، يجب على باعثي الميتافيرس أن يتحمّلوا مسؤولية بيئيّة. فلئن يُعتبر إعداد نموذج ثلاثي الأبعاد لقصر فرساي مفيدًا لأن موقع الزّيارة الافتراضية يسمح للأشخاص من جميع أنحاء العالم بالانغماس في اللّوحات الجدارية التّفاعلية واكتشاف اللّوحات الزيتية والرّسوم، والمنحوتات، والنّقوش بطريقة جديدة، فإنه من غير المفيد إهدار الطّاقة من أجل توأم رقميّ لقصر بلديّة لا يكتسي أهميّة معمارية، إذ ليس من الضروري لمواطن ما أن يستعمل منظومة توليدٍ لواقع افتراضي "للتجوّل" في النموذج الرّقمي لبناية خرسانية عادية بغرض النّفاذ إلى الخدمات العامة.

ما هي تداعيات الميتافيرس البيئية ؟

يُعدّ الميتافيرس أحد أبرز المواضيع التّكنولوجية والاجتماعية-الاقتصادية. ولقد شرعت العديد من الشركات في العمل على بعث خدمات مُوجّهة إلى هذا العالم الرّقمي الجديد. غير أن تطبيقات التّقنيات المرتبطة بالميتافيرس مثل الذّكاء الاصطناعي، والواقع الافتراضي والرّسوم المتحرّكة ثلاثية الأبعاد، وسلسلة الكتل (بلوكشاين)، والعديد من التّطبيقات الأخرى، مازالت متمحورة حول الإنسان، حيث تُفضّل القرارات المتّخذة التّركيز على النّشاط البشري على حساب البيئة.

والحال أنّ الذّكاء الاصطناعي والتّجهيزات المتّصلة به تتسبّب في زيادة التّكاليف البيئيّة. فتدريب نماذج التعلّم العميق التي تستخدم الشّبكات العصبية الاصطناعية لمعالجة مجموعات كبيرة من المعطيات تستهلك كميات متزايدة من الطاقة ومن الموارد اللاّزمة لإجراء العمليات الحسابية. وهو ما يزيد في نفس الوقت من احتداد المخاوف المالية والبيئية.

هذا، وينجرّ عن التّعقيد المتزايد للميتافيرس تضخّم البيانات. وهنا يكمن الإشكال إذ تستهلك مراكز البيانات كمّية كبيرة من الطّاقة. ولا نعرف كمية الطّاقة الضّرورية لتخزين البيانات المولّدة لتشغيل الميتافيرس وكذلك البيانات التي يولّدها الميتافيرس ذاته، والأرجح أنّه رقم مرتفع جدا. كما أن البناية التي تأوي مركز البيانات وأنظمة التبريد التابعة له تبعث بكميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون. 

باختصار، فإن الميتافيرس مُستهلِك كبيرٌ للطّاقة. وكّلما تمّ اللّجوء إليه وإلى التّقنيات المتّصلة به، يزداد استهلاك الطّاقة. فعلى صناعة التكنولوجيا والباحثين تحمّل المسؤولية في استنتاج العبر بخصوص التّأثير البيئي للميتافيرسات. وعلى كلّ قرار تكنولوجي أن يأخذ في الحسبان المسألة البيئية.

كيف يمكن للرّياضيات أن تُساهم في تخفيض التّأثيرات البيئية للميتافيرس ؟

يمكن للرّياضيات أن تساهم بطرق مختلفة في التّخفيض من استهلاك الميتافيرس للطّاقة. فعلى سبيل المثال، تعتمد الطّريقة التي يتوخّاها الباحثون في جامعة نانيانغ التكنولوجية في سنغافورة على المسح الضّوئي (scanning) الانتقائي لخلق بيئات افتراضية. وعوضا عن إرسال الصّورة الملتقطة بالكامل، تقوم الآلة في البداية بانتقاء آليّ للأشياء ذات الأهمية ثم تنقل تلك الأشياء حصريًا إلى مُقدّمي خدمات الميتافيرس. فلتحويل البيانات المتعلّقة بمشهد نقل عمومي، يقع مسح المُترجّلين والعربات، على سبيل المثال، بواسطة عملية حسابية مبتكرة، في حين ستتطلّب الأشياء الأخرى من المشهد كميّة أقلّ من العمليات الحسابية ومن الطّاقة.

لقد اشتغل فريقنا في جامعة شاندونغ على طريقة تتمثّل في رفع العيّنات المشتقّة من النّظرية التحليلية للأرقام بغية التّخفيض من كمّية الطّاقة التي تستهلكها تقنيات الميتافيرس. وقد ركّزنا جهودنا على المسح باللّيزر باعتباره الطّريقة الأكثر فاعلية لتوليد تمثّلات رقميّة ونماذج رقمية ثلاثيّة الأبعاد للميتافرسات.

طرق حسابيّة مبتكرة تسمح بالتّخفيض من كمية الطّاقة التي تستهلكها تقنيات الميتافيرس

يبعث ماسح ضوئي ليزري حزمة ضوئية من الأشعة تحت الحمراء إلى مرآة دوّارة تسلّط ضوءها على الفضاء المحيط، فتعكس الأشياء الموجودة على مسار الليزر، بدورها، الحزمة الضوئية نحو الماسح الضوئي، مما يوفّر بيانات هندسية تُترجَم إلى بيانات ثلاثية الأبعاد. في الوقت ذاته، يدور رأس الماسح الضوئي وينقل الليزر إلى سطح الشّيء المعني، فتتولّد عن ذلك سحب من النقاط المكثّفة. على أنّ تسجيل هذه السّحب الكثيفة من النقاط وعرضها ومعالجتها يتطلّب عمليات حسابية تستغرق وقتا طويلا.

فلإنشاء ميتافيرس لمِسَلَّة ساحة الكونكورد في باريس، يُنتج الماسح اللّيزري عادةً مليون نقطة قياس للحصول على عوامل دقيقة للمسلّة وإنشاء توأمها الرقمي. لكن بفضل طريقتنا، يُمكن للماسح الضّوئي الحصول على توأم رقمي بنقاط قياس أقل بنسبة 40. وهي طريقة تسمح لنا بالتخفيض، على نحو كبير، من كمية الطّاقة والوقت اللّازمين لإنشاء ميتافيرس. وبالتالي، فإن الّتخفيض من وقت الحسابات المعلوماتية يُترجَم إلى انخفاض في انبعاثات الكربون.

جوو ليانغ 

أستاذ علم البيانات في جامعة شاندونغ في الصين، حاصل على الدّكتوراه من جامعة كامبريدج في المملكة المتّحدة. شغل خطّة نائب مدير كرسي البنك الوطني الباريسي-ك.ب.م.ج للابتكار BNP-KPMG في معهد التّجارة نيوما في فرنسا قبل التحاقه بجامعة شاندونغ.

ليو جيانيا

شريك في رئاسة تحرير نشرية "ثقافة الرّياضيات"، أستاذ فخري للرّياضيات في جامعة شاندونغ في الصين. عُيِّن رئيسًا لكرسيّ البحث في وزارة التّربية الصّينية سنة 2003 وحصل على الجائزة الوطنية للعلوم في الصّين سنة 2014.

الرّياضيات تخطف الأضواء
اليونسكو
يناير-مارس 2023
UNESCO
0000384081