فكرة

ستيوارت ج. راسل: "سوف تتغيّر طبيعة عمل المعلّمين، لكن سنظلّ دوما بحاجة إليهم"

يقول ستيوارت ج. راسل Stuart J. Russell، أستاذ علوم الكمبيوتر في جامعة بيركلي (بالولايات المتحدة) والمؤلِّف، بالاشتراك مع بيتر نورفيج Peter Norvig، للعمل المرجعي المعنون "الذكاء الاصطناعي. مقاربة حديثة" Artificial Intelligence. A Modern Approach، إنّ الذكاء الاصطناعي التّوليدي قادر على توفير محتويات، وعلى محاورة الطلاّب، وعلى أن يكون مساعدًا ممتازًا للمعلّمين، شرط أن تتمّ السّيطرة عليه وتأطيره.
AI & education

حوار أجرته معه آنولينا سافولاينان 

لقد اقتحمت التقنيات الجديدة قطاع التّعليم منذ فترة طويلة، إلاّ أنّ دورها قد تعزّز على نحو كبير أثناء جائحة كوفيد ـ 19. فهل يمكن اعتبار تطور الذّكاء الاصطناعي التّوليدي، من قبيل "شات جي بي تي"  ChatGPT،  نقطة تحوّل؟

لقد أدركنا خلال الأزمة الصحية أنّه بالإمكان التّدريس عن بُعد. ثمّ كان لتطوير النّماذج الكبيرة للّغة Large Language Models تأثير هائل على تصوّر عامّة النّاس للذّكاء الاصطناعي؛ وحدثت ثورة منذ إطلاق "شات جي بي تي" في نهاية العام 2022.

كنّا نعلم أيضا، منذ مدّة طويلة، أنّ درسا خصوصيّا مع معلّم يمكن أن يكون أكثر فعاليّة بمرّتين إلى ثلاث مرّات من درس تقليدي في الفصل الدراسيّ. ونحن نعمل منذ حوالي 60 عامًا على توظيف أنظمة تدريس مرتكزة على الذّكاء الاصطناعي كمساعد للمعلّم. غير أنّ هذه المقاربة قد اصطدمت بعائقين اثنين، أوّلهما أنّ الذّكاء الاصطناعي لا يقدر، أو بالأحرى لم يكن قادرا، على إجراء محادثة مع الطّالب أو الإجابة على أسئلته أو إنشاء رابطة معه. وثانيهما أنّ الذكاء الاصطناعي لا يفهم ما الّذي هو بصدد تدريسه؛ فإمكانه أن يعطي درسًا في الكيمياء لكنّه لا يفهم الكيمياء. لذلك لن يمكنه الإجابة عن أسئلة الطالب على نحو صحيح حتى لو أجرى محادثة معه.

مع ظهور النّماذج الكبيرة للّغة، تطوّر هذان المعطيان وصار بالإمكان إجراء محادثة متماسكة نسبيًا وفي لغاتٍ مختلفة. وهي نماذج موثوقة إلى حدّ ما عندما يتعلّق الأمر بالإجابة عن أسئلة متعلّقة بالمحتوى رغم أنّها ما زالت في حاجة إلى تدارك بعض النّواقص. وأعتقد أنّه يمكن، ببذل جهد معقول، توفير مساعدٍ تعليمي خصوصيّ في معظم المواد، على الأقلّ حتى نهاية المرحلة الثانوية.

على أنّه، من الخطأ الاعتقاد بأنّه أصبح لدينا خزّانا اختياريا من الذكاء كفيل بحلّ أي مشكلة، وذلك لأنه لا يضاهي، حقيقة، الذّكاء المعروف بالذّكاء العام، إذ بقدر ما هو مُقْنِع من حيث المظهر لكون هذه الأنظمة تستخدم لغة طبيعية للغاية، إلاّ أنّ الأقوال التي ينتجها لا تُحيل دوما إلى معنى معيّن.

لقد مثّلت سنة 2023 منعرجا في هذا الصّدد إذ سنشهد انتشارًا هائلا للتّكنولوجيات بتفرّعاتها المختلفة رغم أنّها ما زالت بحاجة إلى الكثير من التّحسين والتّجويد. وليس ذلك سوى غيض من فيض مقارنة بما يَعِدنا به الذّكاء العامّ الاصطناعي Artificial General Intelligence، أي الأنظمة الذكية التي يمكن مقارنة مجال تطبيقها بتنويعة المهام التي يمكن للإنسان إنجازها. وأعتقد أننا سنكون قادرين على توفير التّعليم لكل طفل في العالم بحلول نهاية العقد الجاري.

وحده الكائن البشري قادر على فهم الطريقة التي يتفاعل بها كلّ تلميذ مع المنظومة

Russel Stuart and IA at School with teachers

أيُّ دورٍ للمعلّمين في مثل هذا السّياق؟

سوف يتغيّر دور المعلّمين رغم بقاء الحاجة الدّائمة إليهم. وتتمثّل إحدى الصّعوبات الحالية في جعل أنظمة الذّكاء الاصطناعي التعليمية تفهم خصوصيّة الدّور البيداغوجي؛ أي ألا تكون على حقّ طوال الوقت، وألا تجيب دائمًا عن الأسئلة على نحو صحيح، بل أن تحرص على أن يهتدي الطالب بنفسه إلى الإجابة. وهناك، بالفعل، تجارب واعدة لنماذج اللّغة المعمّمة والمُدَرَّبَةِ على التصرّف مثل المعلمين.

وفي النهاية، يستلزم الأمر وجود إنسان ليفهم كيفيّة تفاعل كلّ طالب مع المنظومة؛ وإذا كان سيحصل على ما يحتاج إليه؟ وما الّذي لا يفهمه؟ وما هو أسلوب التعلّم الذي سيُفيده؟ كما يتعيّن على الطلّاب أيضًا أن يتعلّموا كيف يعملون معا، وكيف يتصرّفون في بيئة اجتماعية، وهنا سيحتاجون، أيضا، إلى معلّمين. ولعلّ النّموذج الأفضل هو أن يعمل المعلّم مع مجموعة مكوّنه من ثمانية إلى عشرة طلاب، ويقضي الكثير من الوقت مع كلّ واحد منهم. وفي هذه الحالة، يمكن أن نتصوّر أن الأمر سيتطلب عددًا أكبر، وليس أقلّ، من المعلّمين.

نعلم أنّ النظام المدرسي التقليدي يشكو ضعفا في الأداء في جميع المستويات حيث يشعر بعض الأطفال ذوي القدرات العالية بالملل بينما يجد آخرون صعوبة في مواكبة النّسق ويصابون بالإحباط. إن مجرّد التّفكير في أن يخرج الأطفال أمّيين في نهاية مسارهم الدراسي لأمر مروّع. لذا يتعيّن على النّظام المدرسي إيلاء اهتمام أكبر بالتقدّم الفردي للطّالب، وأن يأخذ في الاعتبار التّفاوتات بين الطلاب في مجال التعلّمات -فبرنامج الذّكاء الاصطناعي التّعليمي الجيّد هو الذي يكون قادرا على التكيّف مع كل متعلّم. ولكننا لم نبلغ ذلك بعد-.

لقد كشفت جائحة كوفيد-19 عن الفجوة الرّقمية على مستوى العالم. فهل ستواجه هذه التّقنيات الجديدة المطبّقة على التعليم نفس العقبات؟

يختلف الوضع اختلافا كبيرا من بلد إلى آخر. أعتقد أن هذه التكنولوجيات ستفيد على نحو كبير البلدان التي لديها معدّلات تمدرس متدنّية. طبعا، لا يزال هناك أطفال ليس لهم إمكانيّة الوصول إلى الهاتف أو الإنترنت. ومع ذلك، فأنا على قناعة بأن التطوّر سيكون سريعًا نسبيًا في هذا المجال، إذ يرتبط عشرات الملايين من الأشخاص حول العالم بالإنترنت كل شهر. وإذا ما قارننا أنظمة الذّكاء الاصطناعي التّعليمية بمؤتمرات الفيديو مع المعلّم فإنّ الأولى تتطلّب نطاقاتٍ تردّد Bandwidth أقلّ بكثير.

قد يتطلّب الانتشار عالميا توفّر مبادرة عمومية أو خاصّة مموّلة حكوميا

ومما لا شكّ فيه أن الصّعوبات ستظهر في مستوى الجهود المطلوبة لإنشاء محتويات وتوفير مساعدين قادرين على التكيّف مع كل ثقافة ولغة، فضلا عن كُلفة تصميم مثل هذه الابتكارات التكنولوجية. وتاريخيا، لم تُحظ المدرسة باهتمام كبير من طرف مجتمع التّكنولوجيا، لذا قد يتطلّب الانتشار عالميا توفّر مبادرة عمومية أو خاصّة مموّلة حكوميا، وربما يمكن استخدام المساعدات الدولية لإنشاء أنظمة مدرسية فعّالة. فمن المأساوي عدم تحقيق ذلك بسبب جشع الشّركات أو تحفّظ الدّول، أو لغير ذلك من الأسباب.

باعتراف عدد من أصحاب المبادرة في قطاع التكنولوجيا، يبدو أنّه من الضروري تنظيم التطوّر الذي تشهده هذه البرامج الجديدة. هل تعتقدون أنّنا نتّجه نحو تقنين أكبر في استخدام تكنولوجيات الذّكاء الاصطناعي التّوليدي هذه؟

يجري حاليًا التّفكير في تنظيم الذّكاء الاصطناعي. وعلى صعيد تقنينها، يبدو أن الرّسالة المفتوحة الدّاعية إلى تأجيل عملية تطوير وتدريب الذكاء الاصطناعي، الذي يفوق الـجي بي تي-4 (GPT-4) قوّة والتي وقّعها أخصّائيون في قطاع التكنولوجيا ونشرت في مارس 2023، قد أعطت دفعًا لهذه السّيرورة. وقد استجابت اليونسكو على الفور بدعوة دُولها الأعضاء إلى اعتماد ضمانات ومحاذير، والحرص على تطوير الذّكاء الاصطناعي وفقاً للمبادئ الأخلاقية. ومن ناحية أخرى، أدركت الحكومة الصّينية وحكومة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وشركات التكنولوجيا، من بين أطراف أخرى، أن هناك حاجة إلى التحرّك في هذا الاتجاه.

وتُعْتَبَرُ مسألة التّقييم في المجال التّعليمي مثيرة للقلق على نحو خاص، بل يعتبرها الكثيرون محفوفة بالمخاطر. كما تُعَدّ حماية البيانات والخصوصية من القضايا الحاسمة، لذا يتحتّم وضع قواعد صارمة لحمايتها. والمطلوب ألا تكون البيانات متاحة للمعلّم، وحتى للموظّفين الإداريين، سوى في حالة وجود مشاكل تأديبية.

هذا وما زلنا نصطدم بغياب الوسائل القادرة على منع الذّكاء الاصطناعي من إجراء محادثات غير لائقة مع القاصرين. وهنا يجب علينا فرض قيود صارمة على الموضوعات التي يمكن لأنظمة الذّكاء الاصطناعي مناقشتها معهم. ومع ذلك، فإن أنظمة الذّكاء الاصطناعي من قبيل "شات جي بي تي" لها طريقة اشتغال غامضة تعتمد على مليارات المعايير والمؤشّرات التي لا نعلم جوهريا كيفيّة اشتغالها. في الأثناء، يحاول الكثيرون إيجاد حلّ لهذه المسألة الشّائكة، لكن، في رأيي، قد يكون ذلك غير ممكنٍ.

أنا أعتقد أنّ التّقنين سيفرض تصميم تكنولوجيات أفضل. ويجب على المشرعّ ألا يقبل أعذارًا من قبيل: "نحن لا نعرف كيف نفعل ذلك"؛ فلو كنتَ مسؤولاً عن الأمن والسلامة النوويّة وأخبرك مشغّل المحطّة النووية أنه لا يعرف كيف يَحُول دون انفجار تلك المحطّة، فإنك حتما لن تقبل بذلك، بل ستمنعه من استخدام النّظام حتى يتم حلّ المشكلة. وعلى الرّغم من كلّ شيء، آمل أن نتمكّن على المدى الطويل من تطوير تكنولوجيات نفهمها حقًّا ويمكن تطويعها والتحكّم فيها.

"Tell me, Ing" (خَبِرِينِي، يا إنجي)، غوص في حياة ناجية من الهولوكوست.

في سبتمبر 2023، أُطلِقت "Tell me, Ing" (خَبِرِينِي، يا إنجي)، وهي أداة تربوية انغمساية تنقل تجربة إنجي أورباخر Inge Auerbacher، إحدى الناجيات من الهولوكست، إلى الواقع الافتراضي حيث باستطاعة التلاميذ التّحادث معها وطرح الأسئلة عليها. وقد وُلدت إنجي سنة 1934 في ألمانيا ورُحّلت إلى غيتو تريزنشتات في تشيكلوفاكيا وهي في سنّ السّابعة، وكانت من بين الأطفال القلائل الذين نجوا بحياتهم.

وهذه الأداة طوّرتها المؤسستان التكنولوجيتان "ستورفايل" و"ميتا" بالاشتراك مع اليونسكو. وتجمع بين تكنولوجيا الذّكاء الاصطناعي، ومحادثات الفيديو، والرّسوم المتحرّكة ثلاثية الأبعاد.

فبرنامج "خبّريني يا إنجي" يسهم، بإيصاله أصوات النّاجين، في تقديم معلومات دقيقة تاريخيًا حول المحرقة إلى جماهير واسعة، وهو متاح مجانا باللّغتين الإنجليزية والألمانية.

订阅《信使》

اشتركوا في الرّسالة