منشور

الرياضيت تخطف الأضواء

COU_2023_1_EDITORIAL
الرياضيت تخطف الأضواء
UNESCO
يناير-مارس 2023
UNESCO
0000384081

أنياس باردون

رئيسة التحرير

يُنظر عادة إلى الرّياضيات على أنّها علم مجرّد، ومثير للقلق، بل صادم أحيانا، والأكيد أنّها لا تحظى دائما بسمعة طيّبة لدى الطلّاب وعامّة الناس الذين يختزلونها في اختصاص

نظري بحت ومنفصل عن الواقع. والحال أنّ الرياضيات، الحاضرة كليّا في حياتنا اليومية، هي على العكس من ذلك تماما.

فالخوارزميات، التي هي من صميم الذّكاء الاصطناعي، جعلت ممكنا إنشاء محرّكات البحث أو التّصوير التشخيصي الطبي مثلا. كما تضطلع النّماذج الرياضية بدور رئيسي في عديد المجالات مثل تطوير شبكات النّقل وتجويدها، والتنبّؤ بمسارات الأعاصير، وحتى السّيطرة على انتشار الأوبئة، ودراسة تأثير حملات التّلقيح.

والرّياضيات تروي أيضا جزءًا من تاريخ العالم الذي أُثري على مرّ القرون بفضل الألواح السّومرية، والحسابات الفلكية لمصر القديمة وللعصر الكلاسيكي اليوناني، وبفضل علماء إمبراطوريات المايا والصين، وعلم الحساب الهندي أو الجبر العربي.

ولعلّ هذا العلم المجرّد مؤهّل، أكثر من أي علم آخر، لإرساء الحوار بين الثّقافات وفي مجال التّعاون العلمي الدّولي. وقد أدركت اليونسكو، مبكّرا، أهمية علم الرياضيات حين أنشأت مركز الرياضيات لأمريكا اللاتينية في عام 1962 في بوينس آيرس بالأرجنتين. وتدرس اليونسكو، التي أعلنت 14 آذار/مارس اليوم الدولي للرياضيات، الرّهانات المتعلّقة بالذّكاء الاصطناعي، وتقوم بتطوير برامج النّفاذ إلى العلوم الأساسية التي تُعْتَبَرُ الرياضيات إحدى ركائزها.

لكن الرّياضيات، لئن كانت حاضرة في جميع مجالات حياتنا، فكثيرون هم من ظلّوا محرومين منها نتيجة العديد من العقبات الفعلية القائمة إزاء هذا الاختصاص بدءًا بالتّفاوتات الجندرية، إذ وجب انتظار 2014 لتحصل امرأة -الإيرانية مريم ميرزاخاني- على ميدالية فيلدز الدولية المرموقة. ورغم تمكّن الفتيات اليوم من تقليص تأخرهنّ في مجال الريّاضيات منذ نهاية التعليم الابتدائي، يظلّ الفتيان ممثّلين على نحو أفضل في صنف التلاميذ المتميّزين ضمن هذا الاختصاص في مرحلتي التعليم الابتدائي والثانوي وذلك في جميع بلدان العالم وفقًا للتقرير العالمي لرصد التعليم للجميع المنشور في أبريل 2022. فالفتيات حتّى وإن كنّ متحصّلات على شهادات علمية لا يسمحن لأنفسهن باتّباع مسارات مهنية علمية بعد تخرّجهن.

في حين أنّ هذه المهنة تلاقي صعوبات في الانتداب والتوظيف رغم أن حاجياتها أكثر إلحاحا من أيّ وقت مضى، إلى درجة أصبح معها شحّ أعداد معلّمي الرياضيات المؤهلين في جميع أنحاء العالم يمثل تهديدًا للمستقبل. وقد ظلّت النّماذج الرياضية ذات الفائدة الكبرى في فهم المناخ، والتنوّع البيولوجي، والبحث الطبي محصورة إلى حدّ كبير في مجالات المالية أو الاقتصاد. وأخيرا، فإنّه بالنّظر إلى التّحديات الاجتماعية والمناخية والتكنولوجية التي يواجهها العالم، من الضّروري العمل على مزيد استكشاف الإمكانات والطاقات التي تختزنها الرياضيات، والعمل على تقاسمها على نطاق أوسع وأشمل.

الرّياضيات تخطف الأضواء
اليونسكو
يناير-مارس 2023
UNESCO
0000384081